سورة النور - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}
{لَوْلاَ جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} إما من تمام القول المحضض عليه مسوق لتوبيخ السامعين على ترك الزام الخائضين أي هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ثبوت ما قالوا: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء} الأربعة، وكان الظاهر فإذا لم يأتوا بهم إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل لزيادة التقرير {فَأُوْلَئِكَ} إشارة إلى الخائضين، وما فيها من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفساد أي فأولئك المفسدون {عَندَ الله} أي في حكمه وشريعته {هُمُ الكاذبون} أي المحكوم عليهم بالكذاب شرعًا أي بأن خبرهم لم يطابق في الشرع الواقع، وقيل: المعنى فأولئك في علم الله تعالى هم الكاذبون الذين لم يطابق خبرهم الواقع في نفس الأمر لأن الآية في خصوص عائشة رضي الله تعالى عنها وخبر أهل الأفك فيها غير مطابق للواقع في نفس الأمر في علمه عز وجل.
وتعقب بأن خصوص السبب لا ينافي عمون الحكم مع أن ظاهر التقييد بالظرف يأبى ذلك. وجعله من قبيل قوله تعالى: {الئان خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] خلاف الظاهر، وأيًا ما كان فالحصر للمبالغة، وإما كلام مبتدأ مسوق من جهته سبحانه وتعالى تقريرًا لكون ذلك إفكًا.


{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)}
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله} أي تفضله سبحانه: {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} إياكم {فِى الدنيا} بفنون النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة {وَ} في {يَخَافُونَ الاخرة} بضروب الآلاء التي من جملتها العفو والمغفرة بعد التوبة، وفي الكلام نشر على ترتيب اللف، وجوز أن يتعلق {فِى الدنيا والاخرة} بكل من فضل الله تعالى ورحمته، والمعنى لولا الفضل العام والرحمة العامة في كلا الدارين {لَمَسَّكُمْ} عاجلًا {فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} أي بسبب ما خضتم فيه من حديث الافك.
والإبهام لتهويل أمره واستهجان ذكره أفاض في الحديث وخاض وهضب واندفع عنى، والإفاضة في ذلك مستعارة من إفاضة الماء في الإناء، و{لَوْلاَ} امتناعية وجوابها {لَمَسَّكُمْ} {عَذَابِ} يستحقر دونه التوبيخ والجلد، والخطاب لغير ابن أبي من الخائضين، وجوز أن يكون لهم جميعًا.
وتعقب بأن ابن أبي رأس المنافقين لاحظ له من رحمة الله تعالى في الآخرة لأنه مخلد في الدرك الأسفل من النار.


{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)}
{عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} بحذف إحدى التاءين و{إِذْ} ظرف للمس، وجوز أن يكون ظرفًا لافضتم وليس بذاك، والضمير المنصوب لما أي لمسكم ذلك العذاب العظيم وقت تلقيكم ما أفضتم فيه من الأفك وأخذ بعضكم إياه من بعض بالسؤال عنه، والتلقي والتلقف والتلقن متقاربة المعاني إلا أن في التلقي معنى الاستقبال وفي التلقف معنى الخطف والأخذ بسرعة وفي التلقن معنى الحذق والمهارة. وقرأ أبي رضي الله تعالى عنه {تتلقونه} على الأصل، وشد التاء البزي، وأدغم الذال في التاء النحويان. وحمزة.
وقرأابن السميقع {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بضم التاء والقاف وسكون اللام مضارع ألقى، وعنه {تَلَقَّوْنَهُ} بفتح التاء والقاف وسكون اللام مضارع لقى، وقرأت عائشة. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وعيسى. وابن يعمر. وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من ولق الكلام كذبه حكاه السرقسطي، وفيه رد على من زعم أن ولقى إذا كان عنى كذب لا يكون متعديًا وهو ظاهر كلام ابن سيده وارتضاء أبو حيان ولذا جعل ذلك من باب الحذف والايصال والأصل تلقون فيه، وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تقرأ ذلك وتقول: الوالق الكذب، وقال ابن أبي مليكة: وكانت اعلم بذلك من غيرها لأنه نزل فيها.
وقال ابن الأنباري: من ولق الحديث انشأه واخترعه، وقيل: من ولق الكلام دبره، وحكى الطبري. وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو الإسراع بالشيء بعد الشيء كعدد في أثر عدد وكلام في أثر كلام ويقال: ناقة ولقى سريعة، ومنه الأولق للمجنون لأن العقل باب من السكون والتماسك والجنون باب من السرعة والتهافت.
وعن ابن جنى أنه إذا فسر ما في الآية بما ذكر يكون ذلك من باب الحذف والإيصال والأصل تسرعون فيه أو إليه، وقرأ زيد بن أسلم. وأبو جعفر {تألقونه} بفتح التاء وهمزة ساكنة بعدها لام ساكنة من الألق وهو الكذب. وقرأ يعقوب في رواية المازني {تيلقونه} بتاء فوقانية مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة كأنه مضارع ولق بكسر اللام كما قال تيجل مضارع وجل، وعن سفيان بن عيينة سمعت أمي تقرأ {إِذْ} من ثقفت الشيء إذا طلبته فادركته جاء مثقلًا ومخففًا أي تتصيدون الكلام في الإفك من هاهنا ومن ههنا.
وقرىء {تقفونه} من قفاه إذا تبعه أي تتبعونه.
{بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي تقولون قولًا مختصًا بالأفواه من غير أن يكون له مصداق ومنشأ في القلوب لأنه ليس تعبيرًا عن علم به في قلوبكم فهذا كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167].
وقال ابن المنير: يجوز أن يكون قوله سبحانه: {تَقُولُونَ بأفواهكم} توبيخًا كقولك: أتقول ذلك لء فيك فإن القائل را رمز وعرض ورا تشدق جازمًا كالعالم، وقد قيل هذا في قوله سبحانه: {بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} [آل عمران: 118] وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يقال فائدة ذكر {بأفواهكم} أن لا يظن أنهم قالوا ذلك بالقلب لأن القول يطلق على غير الصادر من الأفواه كما في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] وقول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني *** مهلًا رويدًا قد ملأت بطني
فهو تأكيد لدفع المجار، وأنت تعلم أن السياق يقتضي الأل وإليه ذهب الزمخشري، وكان الظاهر وتقولونه بأفواهكم إلا أنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل لما لا يخفى {وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا} سهلًا لا تبعة له: {وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} أي والحال أنه عند الله عز وجل أمر عظيم لا يقادر قدره في الوزر واستجرار العذاب، والجملتان الفعليتان معطوفتان على جملة {تَلَقَّوْنَهُ} داخلتان معها في حيز {إِذْ} فيكون قد علق مس العذاب العظيم بتلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير روية وفكر وحسبانهم ذلك مما لا يعبأ به وهو عند الله عز وجل عظيم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8